أزمة في غرفة بيضاء

BY NOUF ABDULKARIM

 
Collage created by Arwa Al Shamsi (@arwas.space)

Collage created by Arwa Al Shamsi (@arwas.space)

 

غرفة يكسو جدرانها بياضٌ ثلجيٌ صاقع، هذا البياض لايصلح لمكان يسكنه الأحياء كما قرأت مرة، هذا البياض من الممكن أن يكون لجدران أحد المعارض الفنية أو المطاعم، دليل جودة صحية أو رؤية فنية، لكن لابد لغرف الأحياء أن تعكس أرواح أصحابها، أنفاسهم، أحلامهم ودموعهم -وحتى تنهيداتهم، وترسم بها لوحة فنية على جدرانها، ترسم حياة كاملة بكل انحناءات فرشاة الأيام والأقدار عليها. هذه الغرفة لاتعكس أي مظهر من مظاهر الحياة، جدرانها الأربعة الشرحة لاتحمل شيء عليها، بلا التزامات وقيود، بلا ارتباطات وكأنها تهرب من حاضر فُرض عليها قدرًا فقط لأن جميع الجدران لابد أن تحمل على أعتاقها وجع مسمار عُلقت عليه لوحة شهادة، مصباح جداري وعدد لانهائي من اختراعات العقل البشري غير المفهومة التي يقيد بها أي شيء حر، إلا جدار واحد، جدار يحمل نافذة تجعل هذه الغرفة الخانقة تتنفس، والنوافذ هي كل ماتمتلكه الجدران كي تعيش وتزيدها بهاءً وتزيح عنها هم مساميرها تلك التي تثبتها كمرساة دون حراكٍ على شاطئٍ موحش، تطل النافذة على أرض خضراء لاتشبه أي أرض قد يحدث وأن رأتها عيناك، تمتد مساحتها إلى نقطة تشعر فيها أنها جزء لايتجزأ من السماء، السماء التي تلونت بتموجات الأزرق الساحرة، مع كل نسمة هواء تتحرك فيها الستائر البيضاء في هذه الغرفة تشعر وكأنها تحييك على البقاء صامدًا، تأخذ بكفك وتربت على كتفك أن ”بوركت وبوركت جهودك“ ولاتعلم لماذا هذا الاحتفاء على أية حال، ولكن تزهو بنفسك، ويمتلئ الهواء في صدرك فخرًا وسعادةً..لايد لك فيهما!

غرفة يكسو جدرانها بياضٌ ثلجيٌ صاقع، تأخذك أحلامك إليها، تعيش فيها وتعيش لك، وترى من نافذتها أرض ليست كالأرض، وتشعر بأنها الوطن. يتجلى أمامك في لحظة ذهن صافٍ غسان كنفاني مرددًا:“ليس بالضرورة أن تكون الأشياء العميقة معقدة، وليس بالضرورة أن تكون الأشياء البسيطة ساذجة.“ وتتساءل: هل من السذاجة أن يأخذ بيدك الحلم لهذه الغرفة البيضاء، أم من العمق أن تحلم بنافذة تطل على أرض تُشعر روحك أنها في الوطن؟

هذه الأرض ليست أرضك، لايمكن أن يكون الوطن مجرد حفنة من "زرعتين" وطنُّ تراب، ومن غير المتصور أن يكون الوطن مجرد تلك الجدران البيضاء مسلوبة الحياة، ومن المستحيل أن تَختزِل المعاني رغبة في التبسيط فينتهي بك الحال لأن تُمسي بهذه السذاجة.

اسأل..وانتظر الإجابة، انتظرها بلهفة طالبٍ مجتهد يخط إجابته في أول اختبار له في حياته..انتظرها بلهفةٍ تجاه أن تعرف، اسأل نفسك لمَ الغرفة البيضاء جدرانها التي تأخذك إليها أحلامك، ولم النفور من قيود عَرّفت الأشياء كما يود لها تعريفها لا كما يجب للأشياء أن تكون؟ لماذا الأرض الخضراء الواسعة التي تُشعرك بأنها جزءٌ من السماء..وأنت الصحراء، الصحراء ذاتها التي حفظتَ ملامح خيوط شمسها الذهبية ومن نفس الشمس الحارقة نُقشت زخارف الحناء على كفيك، ومنها تشكلت هيئتك التي أنت عليها اليوم، وأكسبتك هذه السحنة السمراء المميزة ومن رملها رسمتَ حكاياتك وشيدتَ قصورك الخيالية. هذا كله من هذه الأرض الصحراوية التي تهرب منها ولكنك تنسى..تتناسى أنك تجرها إليك.

في الغرفة البيضاء جدرانها، ومن النافذة الوحيدة فيها، اذهب نحوها وتأمل الوجود حولك. اسأل نفسك بعد عدد لانهائي من محاولات الاسترخاء والتأمل، الحقيقة تكمن في لحظة السكوت، وحدك يعرف إجابة ”لماذا“.

 

Nouf Abdulkarim is a Law student who practices writing every now and then.